حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بن كَعْبِ بن مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:"لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكٍ، إِلا بَدْرًا، وَلَمْ يَعْتِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، إِنَّمَا خَرَجَ يُرِيدُ الْعِيرَ " فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُغَوِّثِينَ لِعِيرِهِمْ، فَالْتَقَوْا عَنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ لَبَدْرٌ، وَمَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ شَهِدْتُهَا مَكَانَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، حَيْثُ تَوَافَيْنَا عَلَى الإِسْلامِ". "ثُمَّ لَمْ أَتَخَلَّفْ بَعْدُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكٍ، وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَآذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالرَّحِيلِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوَتِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الظِّلالُ وَطَابَتِ الثِّمَارُ، وَكَانَ قَلَّمَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلا وَارَى خَبَرَهَا، وَكَانَ يَقُولُ:"الْحَرْبُ خُدْعَةٌ"، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ أَنْ يَتَأَهَّبَ النَّاسُ أُهْبَةً، وَأَنَا أَيْسَرُ مَا كُنْتُ، قَدْ جَمَعْتُ رَاحِلَتَيْنِ، وَأَنَا أَقْدَرُ شَيْءٍ فِي نَفْسِي عَلَى الْجِهَادِ وَخِفَّةِ الْحَاذِ، وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلالِ وَطِيبِ الثِّمَارِ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا بِالْغَدَاةِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا. فَقُلْتُ: أَنْطَلِقُ غَدًا إِلَى السُّوقِ فَأَشْتَرِي جَهَازِي، ثُمَّ أَلْحَقُ بِهِمْ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ مِنَ الْغَدِ، فَعَسُرَ عَلِيَّ بَعْضُ شَأْنِي، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: أَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى الْتَبَسَ بِيَ الذَّنْبُ، وَتَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ وَأَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ فَيُحْزِنُنِي أَنِّي لا أَرَى أَحَدًا إِلا رَجُلا تَخَلَّفَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، وَكَانَ لَيْسَ أَحَدٌ تَخَلَّفَ إِلا رَأَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ، وَكَانَ النَّاسُ كَثِيرًا، لا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ، وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةٌ وَثَمَانِينَ رَجُلا، وَلَمْ يَذْكُرْنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكًا، فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكًا، قَالَ:"مَا فَعَلَ كَعْبُ بن مَالِكٍ؟"، قَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي: خَلْفَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بُرْدَاهُ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بن جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا نَعْلَمُ إِلا خَيْرًا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا هُمْ بِرَجُلٍ يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ"، فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكٍ، وَقَفَلَ وَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، جَعَلْتُ أَتَذَكَّرُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، حَتَّى إِذَا قِيلَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَبِّحُكُمْ غَدًا بِالْغَدَاةِ، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لا أَنْجُو إِلا بِالصِّدْقِ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًّى، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ مِنْ سَفَرٍ فَعَلَ ذَلِكَ، أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فَجَعَلَ يَأْتِيَهِ مَنْ تَخَلَّفَ فَيَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَيَقْبَلُ عَلانِيَتَهُمْ، وَيَكِلُ أَسْرَارَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:"أَلَمْ تَكُنِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟"، فَقُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ:"فَمَا خَلَفَكَ؟"، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ بَيْنَ أَيْدِي أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِكَ جَلَسْتُ خَرَجْتُ مِنْ سَخْطَهِ عَلِيَّ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُوتِيتُ جَدَلا، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنِّي إِنْ أَخْبَرْتُكَ الْيَوْمَ بِقَوْلٍ تَجِدُ عَلِيَّ فِيهِ وَهُوَ حَقٌّ، فَإِنِّي أَرْجُو عُقْبَى اللَّهِ، وَإِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثًا تَرْضَى عَنِّي فِيهِ وَهُوَ كَذِبٌ أَوْشَكَ اللَّهُ أَنْ يُطْلِعَكَ عَلَيَّ، وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا كُنْتُ قَطُّ أَيْسَرَ، وَلا أَخَفَّ حَاذًا مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، قَالَ:"أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمُ الْحَدِيثَ، قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ"، فَقُمْتُ فَثَارَ عَلَى أَثَرِي نَاسٌ مِنْ قَوْمِي يُؤَنِّبُونِي، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَطُّ قَبْلَ هَذَا، فَهَلا اعْتَذَرْتَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُذْرٍ يَرْضَى عَنْكَ، وَكَانَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَأْتِي مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَلِمَ تَقِفُ نَفْسَكَ مَوْقِفًا لا تَدْرِي مَا يُقْضَى لَكَ فِيهِ، فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، فَقُلْتُ: هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ غَيْرِي؟، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَهُ هِلالُ بن أُمَيَّةَ، وَمَرَارَةُ بن رَبِيعَةَ، فَذَكَرُوا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا وَلا أُكَذِّبُ نَفْسِي، قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ فَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمْ بِالَّذِينَ نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الأَرْضُ حَتَّى مَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي نَعْرِفُ، وَكُنْتُ أَقْوَى أَصْحَابِي، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَطُوفُ فِي السُّوقِ وَآتِي الْمَسْجِدَ فَأَدْخُلُ، وَآتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقُولُ: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالسَّلامِ؟، فَإِذَا قُمْتُ أُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ فَأَقْبَلْتُ قِبَلَ صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ، وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ أَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: وَاسْتَكَانَ صَاحِبَايَ، فَجَعَلا يَبْكِيَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يُطْلِعَانِ رُءُوسَهُمَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ فِي السُّوقِ إِذَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْبِ بن مَالِكٍ؟، فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ، وَأَتَانِي بِصَحِيفَةٍ مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهَا: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَأَقْصَاكَ، وَلَسْتَ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ، وَلا هَوَانٍ، فَالْحَقْ بنا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ: هَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاءِ، وَالشَّرِّ، فَسَجَرْتُ لَهَا التَّنُّورَ وَأَحْرَقْتُهَا فيهِ، فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً، إِذَا رَسُولٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَتَانِي، فَقَالَ:"اعْتَزَلِ امْرَأَتَكَ"، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا؟، قَالَ: لا، وَلَكِنْ لا تَقْرَبْهَا، فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالِ بن أُمَيَّةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلالَ بن أُمَيَّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ، فَهَلْ تَأْذَنُ لِي أَنْ أَخْدُمَهُ؟، قَالَ:"نَعَمْ، وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ"، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ لِشَيْءٍ، مَا زَالَ مُتَّكِئًا يَبْكِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا طَالَ عَلِيَّ الْبَلاءُ اقْتَحَمْتُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ حَائِطَهُ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ، فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ! هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟، فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْتُ أَيْضًا: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ! أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟، فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ! أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ، ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا حَتَّى إِذَا مَضَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَنْ كَلامِنَا، صَلَّيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا صَلاةَ الْفَجْرِ، ثُمُّ جَلَسْتُ وَأَنَا فِي الْمَنْزِلَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْنَا أَنْفُسُنَا"التوبة آية 25 ، إِذْ سَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ ذُرْوَةِ سَلْعٍ، أَنْ أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بن مَالِكٍ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَاءَ بِالْفَرَجِ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ يُبَشِّرُنِي، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ فَرَسِهِ، فَأَعْطَيْتُهُ ثَوْبِي بِشَارَةً وَلَبِسَتُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ، قَالَ: وَكَانَتْ تَوْبَتُنَا أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُلُثَ اللَّيْلِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلا نُبَشِّرُ كَعْبَ بن مَالِكٍ؟، قَالَ:"إِذَا يَخْصِمُكُمُ النَّاسُ وَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ"، قَالَ: وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي تَحْزَنُ بِأَمْرِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ، وَكَانَ إِذَا سُرَّ بِالأَمْرِ اسْتَنَارَ، فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:"أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بن مَالِكٍ، بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مِنذْ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدَكَ؟، قَالَ:"بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ"، ثُمَّ تَلا عَلَيْهِمْ: "لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ"التوبة آية 117 ، حَتَّى بَلَغَ "التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"، وَقَالَ: وَفِينَا أُنْزِلَتْ أَيْضًا: "اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"التوبة آية 119 ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقًا، وَأَنْ أُخْلَعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ:"أَمْسَكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، قَالَ: فَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلِيَّ نِعْمَةً فِي الإِسْلامِ أَعْظَمُ مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَقْتُهُ أَنَا وَصَاحِبَايَ أَنْ لا نَكُونَ كَذَبْنَاهُ فَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكُوا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ اللَّهُ ابْتَلَى أَحَدًا فِي الصِّدْقِ مِثْلَ الَّذِي ابْتَلانِي بِهِ، فَمَا تَعَمَّدْتُ بِكِذْبَةٍ بَعْدُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ، قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بن مَالِكٍ. Öneri Formu Hadis Id, No: 176540, MK16193 Hadis: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بن كَعْبِ بن مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:"لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكٍ، إِلا بَدْرًا، وَلَمْ يَعْتِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، إِنَّمَا خَرَجَ يُرِيدُ الْعِيرَ " فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُغَوِّثِينَ لِعِيرِهِمْ، فَالْتَقَوْا عَنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ لَبَدْرٌ، وَمَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ شَهِدْتُهَا مَكَانَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، حَيْثُ تَوَافَيْنَا عَلَى الإِسْلامِ". "ثُمَّ لَمْ أَتَخَلَّفْ بَعْدُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكٍ، وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَآذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالرَّحِيلِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوَتِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الظِّلالُ وَطَابَتِ الثِّمَارُ، وَكَانَ قَلَّمَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلا وَارَى خَبَرَهَا، وَكَانَ يَقُولُ:"الْحَرْبُ خُدْعَةٌ"، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ أَنْ يَتَأَهَّبَ النَّاسُ أُهْبَةً، وَأَنَا أَيْسَرُ مَا كُنْتُ، قَدْ جَمَعْتُ رَاحِلَتَيْنِ، وَأَنَا أَقْدَرُ شَيْءٍ فِي نَفْسِي عَلَى الْجِهَادِ وَخِفَّةِ الْحَاذِ، وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلالِ وَطِيبِ الثِّمَارِ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا بِالْغَدَاةِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا. فَقُلْتُ: أَنْطَلِقُ غَدًا إِلَى السُّوقِ فَأَشْتَرِي جَهَازِي، ثُمَّ أَلْحَقُ بِهِمْ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ مِنَ الْغَدِ، فَعَسُرَ عَلِيَّ بَعْضُ شَأْنِي، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: أَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى الْتَبَسَ بِيَ الذَّنْبُ، وَتَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ وَأَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ فَيُحْزِنُنِي أَنِّي لا أَرَى أَحَدًا إِلا رَجُلا تَخَلَّفَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، وَكَانَ لَيْسَ أَحَدٌ تَخَلَّفَ إِلا رَأَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ، وَكَانَ النَّاسُ كَثِيرًا، لا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ، وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةٌ وَثَمَانِينَ رَجُلا، وَلَمْ يَذْكُرْنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكًا، فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكًا، قَالَ:"مَا فَعَلَ كَعْبُ بن مَالِكٍ؟"، قَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي: خَلْفَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بُرْدَاهُ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بن جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا نَعْلَمُ إِلا خَيْرًا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا هُمْ بِرَجُلٍ يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ"، فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكٍ، وَقَفَلَ وَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، جَعَلْتُ أَتَذَكَّرُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، حَتَّى إِذَا قِيلَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَبِّحُكُمْ غَدًا بِالْغَدَاةِ، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لا أَنْجُو إِلا بِالصِّدْقِ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًّى، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ مِنْ سَفَرٍ فَعَلَ ذَلِكَ، أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فَجَعَلَ يَأْتِيَهِ مَنْ تَخَلَّفَ فَيَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَيَقْبَلُ عَلانِيَتَهُمْ، وَيَكِلُ أَسْرَارَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:"أَلَمْ تَكُنِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟"، فَقُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ:"فَمَا خَلَفَكَ؟"، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ بَيْنَ أَيْدِي أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِكَ جَلَسْتُ خَرَجْتُ مِنْ سَخْطَهِ عَلِيَّ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُوتِيتُ جَدَلا، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنِّي إِنْ أَخْبَرْتُكَ الْيَوْمَ بِقَوْلٍ تَجِدُ عَلِيَّ فِيهِ وَهُوَ حَقٌّ، فَإِنِّي أَرْجُو عُقْبَى اللَّهِ، وَإِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثًا تَرْضَى عَنِّي فِيهِ وَهُوَ كَذِبٌ أَوْشَكَ اللَّهُ أَنْ يُطْلِعَكَ عَلَيَّ، وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا كُنْتُ قَطُّ أَيْسَرَ، وَلا أَخَفَّ حَاذًا مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، قَالَ:"أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمُ الْحَدِيثَ، قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ"، فَقُمْتُ فَثَارَ عَلَى أَثَرِي نَاسٌ مِنْ قَوْمِي يُؤَنِّبُونِي، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَطُّ قَبْلَ هَذَا، فَهَلا اعْتَذَرْتَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُذْرٍ يَرْضَى عَنْكَ، وَكَانَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَأْتِي مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَلِمَ تَقِفُ نَفْسَكَ مَوْقِفًا لا تَدْرِي مَا يُقْضَى لَكَ فِيهِ، فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، فَقُلْتُ: هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ غَيْرِي؟، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَهُ هِلالُ بن أُمَيَّةَ، وَمَرَارَةُ بن رَبِيعَةَ، فَذَكَرُوا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا وَلا أُكَذِّبُ نَفْسِي، قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ فَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمْ بِالَّذِينَ نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الأَرْضُ حَتَّى مَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي نَعْرِفُ، وَكُنْتُ أَقْوَى أَصْحَابِي، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَطُوفُ فِي السُّوقِ وَآتِي الْمَسْجِدَ فَأَدْخُلُ، وَآتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقُولُ: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالسَّلامِ؟، فَإِذَا قُمْتُ أُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ فَأَقْبَلْتُ قِبَلَ صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ، وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ أَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: وَاسْتَكَانَ صَاحِبَايَ، فَجَعَلا يَبْكِيَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يُطْلِعَانِ رُءُوسَهُمَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ فِي السُّوقِ إِذَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْبِ بن مَالِكٍ؟، فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ، وَأَتَانِي بِصَحِيفَةٍ مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهَا: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَأَقْصَاكَ، وَلَسْتَ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ، وَلا هَوَانٍ، فَالْحَقْ بنا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ: هَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاءِ، وَالشَّرِّ، فَسَجَرْتُ لَهَا التَّنُّورَ وَأَحْرَقْتُهَا فيهِ، فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً، إِذَا رَسُولٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَتَانِي، فَقَالَ:"اعْتَزَلِ امْرَأَتَكَ"، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا؟، قَالَ: لا، وَلَكِنْ لا تَقْرَبْهَا، فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالِ بن أُمَيَّةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلالَ بن أُمَيَّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ، فَهَلْ تَأْذَنُ لِي أَنْ أَخْدُمَهُ؟، قَالَ:"نَعَمْ، وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ"، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ لِشَيْءٍ، مَا زَالَ مُتَّكِئًا يَبْكِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا طَالَ عَلِيَّ الْبَلاءُ اقْتَحَمْتُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ حَائِطَهُ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ، فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ! هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟، فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْتُ أَيْضًا: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ! أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟، فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ! أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ، ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا حَتَّى إِذَا مَضَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَنْ كَلامِنَا، صَلَّيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا صَلاةَ الْفَجْرِ، ثُمُّ جَلَسْتُ وَأَنَا فِي الْمَنْزِلَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْنَا أَنْفُسُنَا"التوبة آية 25 ، إِذْ سَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ ذُرْوَةِ سَلْعٍ، أَنْ أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بن مَالِكٍ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَاءَ بِالْفَرَجِ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ يُبَشِّرُنِي، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ فَرَسِهِ، فَأَعْطَيْتُهُ ثَوْبِي بِشَارَةً وَلَبِسَتُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ، قَالَ: وَكَانَتْ تَوْبَتُنَا أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُلُثَ اللَّيْلِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلا نُبَشِّرُ كَعْبَ بن مَالِكٍ؟، قَالَ:"إِذَا يَخْصِمُكُمُ النَّاسُ وَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ"، قَالَ: وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي تَحْزَنُ بِأَمْرِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ، وَكَانَ إِذَا سُرَّ بِالأَمْرِ اسْتَنَارَ، فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:"أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بن مَالِكٍ، بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مِنذْ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدَكَ؟، قَالَ:"بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ"، ثُمَّ تَلا عَلَيْهِمْ: "لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ"التوبة آية 117 ، حَتَّى بَلَغَ "التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"، وَقَالَ: وَفِينَا أُنْزِلَتْ أَيْضًا: "اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"التوبة آية 119 ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقًا، وَأَنْ أُخْلَعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ:"أَمْسَكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، قَالَ: فَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلِيَّ نِعْمَةً فِي الإِسْلامِ أَعْظَمُ مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَقْتُهُ أَنَا وَصَاحِبَايَ أَنْ لا نَكُونَ كَذَبْنَاهُ فَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكُوا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ اللَّهُ ابْتَلَى أَحَدًا فِي الصِّدْقِ مِثْلَ الَّذِي ابْتَلانِي بِهِ، فَمَا تَعَمَّدْتُ بِكِذْبَةٍ بَعْدُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ، قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بن مَالِكٍ. Tercemesi: Açıklama: Yazar, Kitap, Bölüm: , , Senetler: () Konular: Savaş, hile oluşu 176540 MK16193 Taberani, el-Mu'cemu'l-Kebir, XIX, 42 Senedi ve Konuları Savaş, hile oluşu