الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ) ... إلى قوله:( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) وكتب إليه عُرْوَة بن الزُّبير: إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان صالح قريشًا عام الحديبية على أن يردّ عليهم من جاء بغير إذن وليه؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وإلى الإسلام، أَبى الله أن يُرْدَدْن إلى المشركين، إذا هنّ امْتَحنّ محنة الإسلام، فعرفوا أنهنّ إنما جئن رغبة فيه".
القول في تأويل قوله تعالى : { وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) }
وقوله:( وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ) يقول جل ثناؤه: وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات إذا علمتموهنّ مؤمنات، فلم ترجعوهنّ إليهم ما أنفقوا في نكاحهم إياهنّ من الصداق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ) ... إلى قوله:( عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) قال: كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فإذا علموا أن ذلك حقّ منهنّ لم يرجعوهنّ إلى الكفار، وأعطى بعلها من الكفار الذين عقد لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صداقه الذي أصدقها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ (ص. 328)
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد( وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ) وآتوا أزواجهنّ صدقاتهن.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) حتى بلغ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) هذا حكم حكمه الله عزّ وجلّ بين أهل الهدى وأهل الضلالة، كنّ إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه عهد إلى أصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فتزوّجوهنّ بعثوا مهورهنّ إلى أزواجهنّ من المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عهد، وإذا فررن من أصحاب نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عهد بعثوا بمهورهنّ إلى أزواجهنّ من أصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ قال: نزلت عليه وهو بأسفل الحديبية، وكان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صالحهم أنه من أتاه منهم ردّه إليهم؛ فلما جاءه النساء نزلت عليه هذه الآية، وأمره أن يردّ الصداق إلى أزوجهنّ حكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردّوا الصداق إلى أزواجهنّ فقال:( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) كان نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عاهد من المشركين ومن أهل الكتاب، فعاهدهم وعاهدوه، وكان في الشرط أن يردّوا الأموال والنساء، فكان نبيّ الله إذا فاته أحد من أزواج المؤمنين، فلحق بالمعاهدة تاركًا لدينه مختارًا للشرك، ردّ على زوجها ما أنفق عليها، وإذا لحق بنبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أحد من أزوج المشركين امتحنها نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فسألها ما أخرجك من قومك، فإن وجدها (ص. 329)
خرجت تريد الإسلام قبلها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وردّ على زوجها ما أنفق عليها، وإن وجدها فرّت من زوجها إلى آخر بينها وبينه قرابة، وهي متمسكة بالشرك ردّها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى زوجها من المشركين.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ) ... الآية كلها، قال: لما هادن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المشركين "كان في الشرط الذي شرط، أن ترد إلينا من أتاك منا، ونردّ إليك من أتانا منكم، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "مَنْ أتَانَا مِنْكُمْ فَنَرُدُّهُ إِلَيْكُمْ، وَمَنْ أتَاكُمْ مِنَّا فَاخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ"، وقال: فأبى الله ذلك للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في النساء، ولم يأبه للرجال، فقال الله عزّ وجلّ:( إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ) ... إلى قوله:( وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ) أزواجهنّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشجّ، قال كان بين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمشركين هدنة فيمن فرّ من النساء، فإذا فرّت المشركة أعطى المسلمون زوجها نفقته عليها وكان المسلمون يفعلون وكان إذا لم يعط هؤلاء ولا هؤلاء أخرج المسلمون للمسلم الذي ذهبت امرأته نفقتها.
وقوله:( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) يقول تعالى ذكره: ولا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار للحرب مفارقات لأزوجهنّ، وإن كان لهنّ أزواج في دار الحرب إذا علمتموهنّ مؤمنات إذا أنتم أعطيتموهنّ أجورهن، ويعني بالأجور: الصَّدُقات. وكان قتادة يقول: كنّ إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه عهدٌ إلى أصحاب نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فتزوجوهن، بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين الذين بينهم وبين (ص. 330)
أصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عهد.
حدثنا بذلك بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، وكان الزهريّ يقول: إنما أمر الله بردّ صداقهنّ إليهم إذا حُبِسن عنهم وإن هم ردّوا المسلمين على صداق من حبسوا عنهم من نسائهم.
حدثنا بذلك ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله:( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) ولها زوج ثمَّ، لأنه فرق بينهما الإسلام إذا استبرأتنّ أرحامهنّ.
وقوله:( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: لا تمسكوا أيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهنّ، والكوافر: جمع كافرة، والعصم: جمع عصمة، وهى ما اعتصم به من العقد والسبب، وهذا نهي من الله للمؤمنين عن الإقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الأوثان، وأمر لهم بفراقهنّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم "أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جاءه نسوة مؤمنات بعد أن كتب كتاب القضية بينه وبين قريش، فأنزل الله( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ) حتى بلغ( بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له بالشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن (ص. 331)
شهاب، قال: "بلغنا أن آية المحنة التي مادّ فيها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كفار قريش من أجل العهد الذي كان بين كفار قريش وبين النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فكان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يردّ إلى كفار قريش ما أنفقوا على نسائهم اللاتي يسلمن ويهاجرن، وبعولتهنّ كفار للعهد الذي كان بين النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبينهم، ولو كانوا حربًا ليست بينهم وبين النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مدّة وعقد لم يردّ عليهم شيئًا مما أنفقوا، وحكم الله للمؤمنين على أهل المدّة من الكفار بمثل ذلك، قال الله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } حتى بلغ { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فطلق المؤمنون حين أنزلت هذه الآية كل امرأة كافرة كانت تحت رجل منهم، فطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته ابنة أبي أمية بن المغيرة من بني مخزوم فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وابنة جرول من خزاعة، فتزوجها أبو جهم بن حذافة العَدَوِيّ، وجعل الله ذلك حكمًا حكم به بين المؤمنين والمشركين فى هذه المدة التي كانت.
حدثنا ابن حُمَيْد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وقال الزهريّ: لما نزلت هذه الآية( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ ) ... إلى قوله:( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) كان ممن طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته قريبة ابنة أَبي أمية بن المغيرة، فتزوّجها بعده معاوية بن أبي سفيان، وهما على شركهما بمكة، وأم كلثوم ابنة جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حُذافة بن غانم رجل من قومه، وهما على شركهما، وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو التيمي كانت عنده أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ففرّق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر، وكان طلحة قد هاجر وهي بمكة على دين قومها، ثم تزوّجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أُمية بن عبد شمس. وكان ممن فرّ إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من نساء الكفار ممن لم يك بينه وبين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عهد فحبسها وزوّجها رجلا من المسلمين أميمة بنت بشر الأنصارية، ثم إحدى نساء بنِي أمية بن زيد من أوس الله، كانت عند ثابت بن (ص. 332)
Öneri Formu
Hadis Id, No:
204371, TT23/328
Hadis:
الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ) ... إلى قوله:( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) وكتب إليه عُرْوَة بن الزُّبير: إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان صالح قريشًا عام الحديبية على أن يردّ عليهم من جاء بغير إذن وليه؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وإلى الإسلام، أَبى الله أن يُرْدَدْن إلى المشركين، إذا هنّ امْتَحنّ محنة الإسلام، فعرفوا أنهنّ إنما جئن رغبة فيه".
القول في تأويل قوله تعالى : { وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) }
وقوله:( وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ) يقول جل ثناؤه: وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات إذا علمتموهنّ مؤمنات، فلم ترجعوهنّ إليهم ما أنفقوا في نكاحهم إياهنّ من الصداق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ) ... إلى قوله:( عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) قال: كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فإذا علموا أن ذلك حقّ منهنّ لم يرجعوهنّ إلى الكفار، وأعطى بعلها من الكفار الذين عقد لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صداقه الذي أصدقها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ (ص. 328)
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد( وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ) وآتوا أزواجهنّ صدقاتهن.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) حتى بلغ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) هذا حكم حكمه الله عزّ وجلّ بين أهل الهدى وأهل الضلالة، كنّ إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه عهد إلى أصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فتزوّجوهنّ بعثوا مهورهنّ إلى أزواجهنّ من المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عهد، وإذا فررن من أصحاب نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عهد بعثوا بمهورهنّ إلى أزواجهنّ من أصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ قال: نزلت عليه وهو بأسفل الحديبية، وكان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صالحهم أنه من أتاه منهم ردّه إليهم؛ فلما جاءه النساء نزلت عليه هذه الآية، وأمره أن يردّ الصداق إلى أزوجهنّ حكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردّوا الصداق إلى أزواجهنّ فقال:( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) كان نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عاهد من المشركين ومن أهل الكتاب، فعاهدهم وعاهدوه، وكان في الشرط أن يردّوا الأموال والنساء، فكان نبيّ الله إذا فاته أحد من أزواج المؤمنين، فلحق بالمعاهدة تاركًا لدينه مختارًا للشرك، ردّ على زوجها ما أنفق عليها، وإذا لحق بنبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أحد من أزوج المشركين امتحنها نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فسألها ما أخرجك من قومك، فإن وجدها (ص. 329)
خرجت تريد الإسلام قبلها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وردّ على زوجها ما أنفق عليها، وإن وجدها فرّت من زوجها إلى آخر بينها وبينه قرابة، وهي متمسكة بالشرك ردّها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى زوجها من المشركين.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ) ... الآية كلها، قال: لما هادن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المشركين "كان في الشرط الذي شرط، أن ترد إلينا من أتاك منا، ونردّ إليك من أتانا منكم، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "مَنْ أتَانَا مِنْكُمْ فَنَرُدُّهُ إِلَيْكُمْ، وَمَنْ أتَاكُمْ مِنَّا فَاخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ"، وقال: فأبى الله ذلك للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في النساء، ولم يأبه للرجال، فقال الله عزّ وجلّ:( إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ) ... إلى قوله:( وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ) أزواجهنّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشجّ، قال كان بين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمشركين هدنة فيمن فرّ من النساء، فإذا فرّت المشركة أعطى المسلمون زوجها نفقته عليها وكان المسلمون يفعلون وكان إذا لم يعط هؤلاء ولا هؤلاء أخرج المسلمون للمسلم الذي ذهبت امرأته نفقتها.
وقوله:( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) يقول تعالى ذكره: ولا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار للحرب مفارقات لأزوجهنّ، وإن كان لهنّ أزواج في دار الحرب إذا علمتموهنّ مؤمنات إذا أنتم أعطيتموهنّ أجورهن، ويعني بالأجور: الصَّدُقات. وكان قتادة يقول: كنّ إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه عهدٌ إلى أصحاب نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فتزوجوهن، بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين الذين بينهم وبين (ص. 330)
أصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عهد.
حدثنا بذلك بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، وكان الزهريّ يقول: إنما أمر الله بردّ صداقهنّ إليهم إذا حُبِسن عنهم وإن هم ردّوا المسلمين على صداق من حبسوا عنهم من نسائهم.
حدثنا بذلك ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله:( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) ولها زوج ثمَّ، لأنه فرق بينهما الإسلام إذا استبرأتنّ أرحامهنّ.
وقوله:( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: لا تمسكوا أيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهنّ، والكوافر: جمع كافرة، والعصم: جمع عصمة، وهى ما اعتصم به من العقد والسبب، وهذا نهي من الله للمؤمنين عن الإقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الأوثان، وأمر لهم بفراقهنّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم "أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جاءه نسوة مؤمنات بعد أن كتب كتاب القضية بينه وبين قريش، فأنزل الله( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ) حتى بلغ( بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له بالشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن (ص. 331)
شهاب، قال: "بلغنا أن آية المحنة التي مادّ فيها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كفار قريش من أجل العهد الذي كان بين كفار قريش وبين النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فكان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يردّ إلى كفار قريش ما أنفقوا على نسائهم اللاتي يسلمن ويهاجرن، وبعولتهنّ كفار للعهد الذي كان بين النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبينهم، ولو كانوا حربًا ليست بينهم وبين النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مدّة وعقد لم يردّ عليهم شيئًا مما أنفقوا، وحكم الله للمؤمنين على أهل المدّة من الكفار بمثل ذلك، قال الله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } حتى بلغ { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فطلق المؤمنون حين أنزلت هذه الآية كل امرأة كافرة كانت تحت رجل منهم، فطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته ابنة أبي أمية بن المغيرة من بني مخزوم فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وابنة جرول من خزاعة، فتزوجها أبو جهم بن حذافة العَدَوِيّ، وجعل الله ذلك حكمًا حكم به بين المؤمنين والمشركين فى هذه المدة التي كانت.
حدثنا ابن حُمَيْد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وقال الزهريّ: لما نزلت هذه الآية( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ ) ... إلى قوله:( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) كان ممن طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته قريبة ابنة أَبي أمية بن المغيرة، فتزوّجها بعده معاوية بن أبي سفيان، وهما على شركهما بمكة، وأم كلثوم ابنة جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حُذافة بن غانم رجل من قومه، وهما على شركهما، وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو التيمي كانت عنده أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ففرّق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر، وكان طلحة قد هاجر وهي بمكة على دين قومها، ثم تزوّجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أُمية بن عبد شمس. وكان ممن فرّ إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من نساء الكفار ممن لم يك بينه وبين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عهد فحبسها وزوّجها رجلا من المسلمين أميمة بنت بشر الأنصارية، ثم إحدى نساء بنِي أمية بن زيد من أوس الله، كانت عند ثابت بن (ص. 332)
Tercemesi:
Açıklama:
Yazar, Kitap, Bölüm:
, ,
Senetler:
()
Konular:
KTB, NİKAH
Nikah, müşrikle
وأولى الأقوال بالصواب إن يقال: إن الله عزّ وجلّ مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذّبي رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، الذين أهلكهم بسخطه، وأمر بني قينقاع ووقعة بدر، كانا قبل، جلاء بني النضير، وكلّ أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم، ولم يخصص الله عز وجلّ منهم بعضًا في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض، وكلّ ذائق وبال أمره، فمن قربت مدته منهم قبلهم، فهم ممثلون بهم فيما عُنُوا به من المثل.
وقوله:( ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ) يقول: نالهم عقاب الله على كفرهم به.
وقوله:( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول: ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم، يعني: موجع.
وقوله:( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ )
يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضير، النصرة إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أُخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدّة حاجتهم إليهم، وإلى نُصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غرّ إنْسانًا، ووعده على اتباعه وكفره بالله، النصرة عند الحاجة إليه، فكفر بالله واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نُصرته أسلمه وتبرأ منه، وقال له:( إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) في نُصرتك.
وقد اختلف أهل التأويل في الإنسان الذي قال الله جلّ ثناؤه( إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ ) هو إنسان بعينه، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به، فقال بعضهم: عُنِي بذلك إنسان بعينه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شعبة، عن أَبي إسحاق، قال: سمعت عبد الله بن نهيك، قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول: إن راهبًا تعبَّد ستين سنة، وأن الشيطان أراده فأعياه، فعمد إلى (ص. 294)
امرأة فأجنها، ولها إخوة، فقال لإخوتها: عليكم بهذا القسّ فيداويها، فجاءوا بها، قال: فداواها، وكانت عنده؛ فبينما هو يوما عندها إذا أعجبته، فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إن أعييتني، أنا صنعت بك هذا فأطعني أنجك مما صنعتُ بك، اسجد لي سجدة، فسجد له؛ فلما سجد له قال: إني بريء منك،( إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) فذلك قوله:( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أَبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن زيد، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) قال: كانت امرأة ترعى الغنم، وكان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، قال: فنزل الراهب ففجر بها، فحملت، فآتاه الشيطان، فقال له: اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدّق يسمع كلامك، فقتلها ثم دفنها؛ قال: فأتى الشيطان إخوتها في المنام، فقال لهم: إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم؛ فلما أحبلها قتلها، ثم دفنها في مكان كذا وكذا؛ فلما أصبحوا قال رجل منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا وما أدري أقصها عليكم أم أترك؟ قالوا: لا بل قُصَّها علينا؛ قال: فقصها، فقال الآخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك؛ قالوا: فما هذا إلا لشيء، فانطلقوا فاستعدوْا مَلِكَهُم على ذلك الراهب، فأتَوه فأنزلوه، ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنا أنجيك مما أوقعتك فيه؛ قال: فسجد له؛ فلما أتَوا به ملكَهم تبرأ منه، وأُخِذ فقتل.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أَبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ (ص. 295)
Öneri Formu
Hadis Id, No:
204074, TT23/294
Hadis:
وأولى الأقوال بالصواب إن يقال: إن الله عزّ وجلّ مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذّبي رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، الذين أهلكهم بسخطه، وأمر بني قينقاع ووقعة بدر، كانا قبل، جلاء بني النضير، وكلّ أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم، ولم يخصص الله عز وجلّ منهم بعضًا في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض، وكلّ ذائق وبال أمره، فمن قربت مدته منهم قبلهم، فهم ممثلون بهم فيما عُنُوا به من المثل.
وقوله:( ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ) يقول: نالهم عقاب الله على كفرهم به.
وقوله:( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول: ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم، يعني: موجع.
وقوله:( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ )
يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضير، النصرة إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أُخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدّة حاجتهم إليهم، وإلى نُصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غرّ إنْسانًا، ووعده على اتباعه وكفره بالله، النصرة عند الحاجة إليه، فكفر بالله واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نُصرته أسلمه وتبرأ منه، وقال له:( إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) في نُصرتك.
وقد اختلف أهل التأويل في الإنسان الذي قال الله جلّ ثناؤه( إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ ) هو إنسان بعينه، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به، فقال بعضهم: عُنِي بذلك إنسان بعينه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شعبة، عن أَبي إسحاق، قال: سمعت عبد الله بن نهيك، قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول: إن راهبًا تعبَّد ستين سنة، وأن الشيطان أراده فأعياه، فعمد إلى (ص. 294)
امرأة فأجنها، ولها إخوة، فقال لإخوتها: عليكم بهذا القسّ فيداويها، فجاءوا بها، قال: فداواها، وكانت عنده؛ فبينما هو يوما عندها إذا أعجبته، فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إن أعييتني، أنا صنعت بك هذا فأطعني أنجك مما صنعتُ بك، اسجد لي سجدة، فسجد له؛ فلما سجد له قال: إني بريء منك،( إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) فذلك قوله:( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أَبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن زيد، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) قال: كانت امرأة ترعى الغنم، وكان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، قال: فنزل الراهب ففجر بها، فحملت، فآتاه الشيطان، فقال له: اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدّق يسمع كلامك، فقتلها ثم دفنها؛ قال: فأتى الشيطان إخوتها في المنام، فقال لهم: إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم؛ فلما أحبلها قتلها، ثم دفنها في مكان كذا وكذا؛ فلما أصبحوا قال رجل منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا وما أدري أقصها عليكم أم أترك؟ قالوا: لا بل قُصَّها علينا؛ قال: فقصها، فقال الآخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك؛ قالوا: فما هذا إلا لشيء، فانطلقوا فاستعدوْا مَلِكَهُم على ذلك الراهب، فأتَوه فأنزلوه، ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنا أنجيك مما أوقعتك فيه؛ قال: فسجد له؛ فلما أتَوا به ملكَهم تبرأ منه، وأُخِذ فقتل.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أَبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ (ص. 295)
Tercemesi:
Açıklama:
Yazar, Kitap, Bölüm:
, ,
Senetler:
()
Konular: